فصل: تفسير الآيات (77- 78):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآية رقم (69):

{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)}
قوله تعالى: {ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه} قال المفسرون: لما دخل إخوة يوسف على يوسف قالوا أيها الملك هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به قد جئناك به فقال لهم أحسنتم وأصبتم وستجدون ذلك عندي ثم أنزلهم وأكرم نزلهم ثم إنه أضافهم وأجلس كل اثنين على مائدة فبقي بنيامين وحيداً فبكى وقال لو كان أخي يوسف حياً لأجلسني معه فقال يوسف لقد بقي هذا وحده فقالوا كان له أخ فهلك قال لهم أجلسه معي فأخذه فأجلسه معه على مائدته وجعل يؤاكله فلما كان الليل أمرهم بمثل ذلك وقال كل اثنين منكم ينامان على فراش واحد فبقي بنيامين وحده فقال يوسف هذا ينام عندي على فراشي فنام بنيامين مع يوسف على فراشه فجعل يوسف يضمه إليه ويشم ريحه حتى أصبح فلما أصبح قال لهم إني أرى هذا الرجل وحيداً ليس معه ثان وسأضمه إليّ فكيون معي في منزلي ثم إنه أنزلهم وأجرى عليهم الطعام فقال روبيل ما رأينا مثل هذا فذلك قوله آوى إليه أخاه يعني ضمه وأنزل معه في منزله فلما خلا به قال له يوسف ما اسمك قال بنيامين قال وما بنيامين قال ابن المشكل وذلك أنه لما ولدته أمه هلكت قال وما اسم أمك قال راحيل قال فهل لك من ولد قال عشر بنين قال فهل لك من أخ لأمك قال كان لي أخ فهلك قال يوسف أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال بنيامين ومن فهل لك من يجد أخاً مثلك أيها الملك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف عليه الصلاة والسلام وقام إليه وعانقه و{قال} له {إني أنا أخوك} يعني يوسف {فلا تبتئس} يعني لا تحزن وقال أهل اللغة تبتئس تفتعل من البؤس وهو الضرر والشدة والابتئاس اجتلاب الحزن والبؤس {بما كانوا يعملون} يعني فلا تحزن بشيء فعلوه بنا فيما مضى فإن الله قد أحسن إلينا ونجانا من الهلاك وجمع بيننا، وقيل: إن يوسف صفح عن إخوته وصفا لهم فأراد أن يجعل قلب أخيه بنيامين مثل قبله صافياً عليهم ثم قال يوسف لأخيه بنيامين لا تعلم إخوتك بشيء مما أعلمتك به ثم إنه أوفى لإخوته الكيل وزاد لكل واحد حمل بعير ولبنيامين حمل بعير باسمه ثم أمر بساقية الملك فجعلت في رحل أخيه بنيامين، قال السدي: وهو لا يشعر وقال كعب: لما قال له يوسف إني أنا أخوك قال بنيامين أنا لا أفارقك فقال يوسف قد علمت اغتمام والدي عليّ فإذا حبستك عندي ازداد غمه ولا يمكنني هذا إلا بعد أن أشهرك بأمر فظيع وأنسبك إلى ما لا يحمد قال لا أبالي فافعل ما بدا لك فإني لا أفارقك قال فإني أدس صاعي في رحلك ثم أنادي عليكم بالسرقة ليتهيأ لي ردك بعد تسريحك قال فافعل ما شئت.

.تفسير الآيات (70- 74):

{فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74)}
{فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه} وهي المشربة التي كان الملك يشرب فيها، قال ابن عباس: كانت من زبرجد، وقال ابن إسحاق كانت من فضة وقيل من ذهب، وقال عكرمة: كانت مشربة من فضة مرصعة بالجواهر جعلها يوسف مكيالاً لئلا يكال بغيرها وكان يشرب فيها والسقاية والصواع اسم لإناء واحد وجعلت في وعاء طعام أخيه بنيامين ثم ارتحلوا راجعين إلى بلادهم فأمهلهم يوسف حتى انطلقوا وذهبوا منزلاً وقيل حتى خرجوا من العمارة ثم أرسل خلفهم من استوقفهم وحبسهم {ثم أذن مؤذن} يعني نادى مناد وأعلم معلم.
والأذان في اللغة الإعلام {أيتها العير} وهي القافلة التي في الأحمال، وقال مجاهد: العير الحمير والبغال، وقال أبو الهيثم: كل ما سير عليه من الإبل والحمير والبغال فهي عير وقول من قال إنها الإبل خاصة باطل وقيل العير الإبل التي تحمل عليها الأحمال سميت بذلك لأنها تعير أي تذهب وتجيء وقيل هي قافلة الحمير ثم كثر ذلك في الاستعمال حتى قيل لكل قافلة عير وقوله أيتها العير أراد أصحاب العير {إنكم لسارقون} فقفوا والسرقة أخذ ما ليس له أخذه في خفاء.
فإن قلت هل كان هذا النداء بأمر يوسف أم لا فإن كان بأمره فكيف يليق بيوسف مع علو منصبه وشريف رتبته من النبوة والرسالة أن يتهم أقواماً وينسبهم إلى السرقة كذباً مع علمه ببراءتهم من ذلك وإن كان ذلك النداء بغير أمره فهلا أظهر براءته عن تلك التهمة التي نسبوا إليها.
قلت ذكر العلماء عن هذا السؤال أجوبة:
أحدها: أن يوسف لما أظهر لأخيه أنه أخوه قال لست أفارقك قال لا سبيل إلى ذلك إلا بتدبير حيلة أنسبك فيها إلى ما يليق قال رضيت بذلك فعلى هذا التقدير لم يتألم قلبه بسبب هذا الكلام بل قد رضي به فلا يكون ذنباً.
الثاني: أن يكون المعنى إنكم لسارقون ليوسف من أبيه إلا أنهم ما أظهروا هذا الكلام فهو من المعاريض وفي المعاريض مندوحة عن الكذب.
الثالث: يحتمل أن يكون المنادي ربما قال ذلك النداء على سبيل الاستفهام وعلى هذا التقدير لا يكون كذباً.
الرابع: ليس في القرآن ما يدل على أنهم قالوا ذلك بأمر يوسف وهو الأقرب إلى ظاهر الحال لأنهم طلبوا السقاية فلم يجدوها ولم يكن هناك أحد غيرهم وغلب على ظنهم أنهم هم الذين أخذوها فقالوا ذلك بناء على غلبة ظنهم {قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون} قال أصحاب الأخبار لما وصل الرسل إلى إخوة يوسف قالوا لهم ألم نكرمكم ونحسن ضيافتكم ونوف إليكم الكيل ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم قالوا بلى وما ذاك قالوا فقدنا سقاية الملك ولا نتهم عليها غيركم فذلك قوله تعالى قالوا وأقبلوا عليهم أي عطفوا على المؤذن وأصحابه ماذا أي ما الذي تفقدون والفقدان ضد الوجود {قالوا} يعني المؤذن وأصحابه {نفقد صواع الملك} الصاع الإناء الذي يكال به وجمعه أصوع والصواع لغة فيه وجمعه صيعان {ولمن جاء به} يعني بالصواع {حمل بعير} يعني من الطعام {وأنا به زعيم} أي كفيل قال الكلبي الزعيم هو الكفيل بلسان أهل اليمن وهذه الآية تدل على أن الكفالة كانت صحيحة في شرعهم وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها في قوله: «الحميل غارم» والحميل الكفيل.
فإن قلت كيف تصح هذه الكفالة مع أن السارق لا يستحق شيئاً.
قلت لم يكونوا سراقاً في الحقيقة فيحمل ذلك على مثل رد الضائع فيكون جعالة أو لعل مثل هذه الكفالة كانت جائزة عندهم في ذلك الزمان فيحمل عليه {قالوا} يعني إخوة يوسف {تالله} التاء بدل من الواو ولا تدخل إلا على اسم الله في اليمين خاصة تقديره والله {لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا مسرفين} قال المفسرون: إن أخوة يوسف حلفوا على أمرين:
أحدهما: أنهم ما جاؤوا لأجل الفساد في الأرض والثاني أنهم ما جاؤوا سارقين وإنما قالوا هذه المقالة لأنه كان قد ظهر من أحوالهم ما يدل على صدقهم وهو أنهم كانوا مواظبين على أنواع الخير والطاعة والبر حتى بلغ من أمرهم أنهم شدوا أفواه دوابهم لئلا تؤذي زرع الناس ومن كانت هذه صفته فالفساد في حقه ممتنع.
وأما الثاني: وهو أنهم ما كانوا سارقين فلأنهم قد كانوا ردوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم ولم يستحلوا أخذها ومن كانت هذه صفته فليس بسارق فلأجل ذلك قالوا لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين فلما تبينت براءتهم من هذه التهمة {قالوا} يعني أصحاب يوسف وهو المنادي وأصحابه {فما جزاؤه إن كنتم كاذبين} يعني فما جزاء السارق إن كنتم كاذبين في قولكم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين.

.تفسير الآيات (75- 76):

{قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)}
{قالوا} يعني إخوة يوسف {جزاؤه من وجد في رحله} يعني جزاء السارق الذي وجد في رحله أن يسلم برقبته إلى المسروق منه فيسترقه سنة وكان ذلك سنة آل يعقوب في حكم السارق وكان في حكم ملك مصر أن يضرب السارق ويغرم ضعفي قيمة المسروق وكان هذا في شرعهم في ذلك الزمان يجري مجرى القطع في شرعنا فأراد يوسف أن يأخذ بحكم أبيه في السارق فلذلك رد الحكم إليهم، والمعنى أن جزاء السارق أن يستعبد سنة جزاء له على جرمه وسرقته {فهو جزاؤه} يعني هذا الجزاء جزاؤه {كذلك نجزي الظالمين} يعني مثل هذا الجزاء وهو أن يسترقّ السارق سنة نجزي الظالمين ثم قيل إن هذا الكلام من بقية كلام إخوة يوسف وقيل هو من كلام أصحاب يوسف فعلى هذا إن أخوة يوسف لما قالوا جزاء السارق أن يسترق سنة قال أصحاب يوسف كذلك نجزي الظالمين يعني السارقين.
قوله عز وجل: {فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه} قال أهل التفسير إن إخوة يوسف لما أقروا أن جزاء السارق أن يسترق سنة قال أصحاب يوسف لابد من تفتيش رحالكم فردوهم إلى يوسف فأمر بتفتيشها بين يديه فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه لإزالة التهمة فجعل يفتش أوعيتهم واحداً واحداً.
قال قتادة: ذكر لنا أنه كان لا يفتح متاعاً ولا ينظر وعاء إلا استغفر تأثماً مما قذفهم به حتى لا يبق إلا رحل بنيامين قال ما أظن هذا أخذ شيئاً قال إخوته والله لا نتركك حتى تنظر في رحله فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا فلما فتحوا متاعه وجدوا الصواع فيه فذلك قوله تعالى: {ثم استخرجها من وعاء أخيه} إنما أنَّث الكناية لأنه ردها إلى السقاية، وقيل: إن الصواع يذكر ويؤنث فلما أخرج الصواع من رحل بنيامين نكس إخوة يوسف رؤوسهم من الحياء وأقبلوا على بنيامين يلومونه ويقولون له ما صنعت بنا فضحتنا وسودت وجوهنا يا بني راحيل ما زال لنا منكم بلاء حتى أخذت هذا الصواع، فقال بنيامين: بل بنو راحيل ما زال لهم منكم بلاء ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية إن الذي وضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع البضاعة في رحالكم قالوا فأخذ بنيامين رقيقاً، وقيل: إن المنادي وأصحابه هم الذين تولوا تفتيش رحالهم وهم الذين استخرجوا الصواع من رحل بنيامين فأخذه برقبته وردوه إلى يوسف {كذلك كدنا ليوسف} يعني ومثل ذلك الكيد كدنا ليوسف وهو إشارة إلى الحكم الذي ذكره إخوه يوسف باسترقاق السارق أي مثل ذلك الحكم الذي ذكره إخوة يوسف حكمنا ليوسف ولفظ الكيد مستعار للحيلة والخديعة وهذا في حق الله عز وجل محال فيجب تأويل هذه اللفظة بما يليق بجلال الله سبحانه وتعالى فنقول الكيد هنا جزاء الكيد يعني كما فعلوا بيوسف بأن حكموا أن جزاء السارق أن يسترق كذلك ألهمنا يوسف حتى دس الصواع في رحل أخيه ليضمه إليه على ما حكم به إخوته، وقال ابن الأعرابي: الكيد التدبير بالباطل وبحق فعلى هذا يكون المعنى كذلك دبرنا ليوسف، وقيل: صنعنا ليوسف، وقال ابن الأنباري: كدنا وقع خبراً من الله عز وجل عليّ خلاف معناه في أوصاف المخلوقين فإنه إذا أخبر به عن مخلوق كان تحته احتيال وهو في موضع فعل الله معرى من المعاني المذمومة ويخلص بأنه وقع بمن يكيده تدبير ما يريده به من حيث لا يشعر ولا يقدر على دفعه فهو من الله مشيئة بالذي يكون من أجل أن المخلوق إذا كاد المخلوق في ستر عنه ما ينويه ويضمره له من الذي يقع به من الكيد فهو من الله تعالى أستر إذ هو ما ختم به عاقبته والذي وقع بإخوة يوسف من كيد الله هو ما انتهى إليه شأن يوسف من ارتفاع المنزلة وتمام النعمة وحيث جرى الأمر على غير ما قدر من إهلاكه وخلوص أبيهم له بعده وكل ذا جرى بتدبير الله تعالى وخفي لطفه سماه كيداً لأنه أشبه كيد المخلوقين فعلى هذا يكون كيد الله عز وجل ليوسف عليه الصلاة والسلام عائداً إلى جميع ما أعطاه الله وأنعم به عليه على خلاف تدبيره وإخوته من غير أن يشعروا بذلك وقوله تعالى: {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} يعني في حكم الملك وقضائه لانه كان في حكم الملك أن السارق يضرب ويغرم ضعفي قيمة المسروق يعني في حكم الملك وقضائه فلم يتمكن يوسف من حبس أخيه عنده في حكم الملك فالله تعالى ألهم يوسف ما دبره حتى وجد السبيل إلى ذلك {إلا أن يشاء الله} يعني أن ذلك الأمر كان بمشيئة الله وتدبيره لأن ذلك كله كان إلهاماً من الله ليوسف وإخوته حتى جرى الأمر على وفق المراد {نرفع درجات من نشاء} يعني بالعلم كما رفعنا درجة يوسف على إخوته وفي هذه الآية دلالة على أن العلم الشريف أشرف المقامات وأعلى الدرجات لأن الله تعالى مدح يوسف ورفع درجته على إخوته بالعلم وبما ألهمه على وجه الهداية والصواب في الأمور كلها {وفوق كل ذي علم عليم} قال ابن عباس: فوق كل عالم عالم إلى أن ينتهي العلم إلى الله تعالى فوق كل عالم لأنه هو الغني بعلمه عن التعليم وفي الآية دليل على أن إخوة يوسف كانوا علماء وكان يوسف أعلم منهم، قال ابن الأنباري: يجب أن يتهم العالم نفسه ويستشعر التواضع لمواهب ربه تعالى ولا يطمع نفسه في الغلبة لأنه لا يخلو عالم من عالم فوقه.

.تفسير الآيات (77- 78):

{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)}
قوله تعالى: {قالوا} يعني إخوة يوسف {إن يسرق} يعني بنيامين الصواع {فقد سرق أخ له من قبل} يعني يوسف ظاهر الآية يقتضي أن إخوة يوسف قالوا للملك إن هذا الأمر ليس بغريب منه فإن أخاه الذي هلك كان سارقاً أيضاً وكان غرضهم من هذا الكلام أنّ لسنا على طريقته ولا على سيرته بل هذا وأخوه كان على هذه الطريقة وهذه السيرة لأنهما من أم أخرى غير أمنا.
واختلفوا في السرقة التي ينسبوها إلى يوسف عليه الصلاة والسلام فقال سعيد بن جبير وقتادة: وكان لجده أبي أمه صنم وكان يعبد ه فأخذه يوسف وكسره وألقاه في الطريق لئلا يعبد ه، وقال مجاهد: إن يوسف جاءه سائل يوماً فأخذ بيضة من البيت فناولها له، وقال سفيان بن عيينة أخذ دجاجة من الطير الذي كان في بيت يعقوب فأعطاها سائلاً، وقال وهب: كان يخبئ الطعام من المائدة للفقراء.
وذكر محمد بن إسحاق: إن يوسف كان عند عمته ابنة إسحاق بعد موت أمه راحيل فحضنته عمته وأحبته حباً شديداً فلما ترعرع وكبر وقعت محبة يعقوب عليه فأحبه فقال لأخته يا أختاه سلمي إلي يوسف فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة واحدة فقالت لا أعطيكه فقال لها والله ما أنا بتاركه عندك فقالت دعه عندي أياماً أنظر إليه لعل ذلك يسليني عنه ففعل ذلك فعمدت إلى منطقة كانت لإسحاق وكانوا يتوارثونها بالكبر وكانت أكبر أولاد إسحاق فكانت عندها فشدت المنطقة على وسط يوسف تحت ثيابه وهو صغير لا يشعر ثم قالت لقد فقدت منطقة إسحاق ففتشوا أهل البيت فوجودها مع يوسف فقالت إنه لسلم لي يعني يوسف فقال يعقوب إن كان قد فعل فهو سلم لك فأمسكته عندها حتى ماتت فلذلك قال إخوة يوسف إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل يعنون هذه السرقة قال الأنباري: وليس في هذه الأفعال كلها ما يوجب السرقة ولكنها تشبه السرقة فعيروه بها عند الغضب {فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم} في هاء الكناية ثلاثة أقوال: أحدها: أن الضمير يرجع إلى الكلمة التي بعدها وهي قوله تعالى: {قال} يعني يوسف {أنتم شر مكاناً} روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس والثاني أن الضمير يرجع إلى الكلمة التي قالوها في حقه وهي قولهم فقد سرق أخ له من قبل وهذا معنى قول أبي صالح عن ابن عباس، فعلى هذا القول يكون المعنى فأسر يوسف جواب الكلمة التي قالوها في حقه ولم يجبهم عليها والثالث أن الضمير يرجع إلى الحجة فيكون المعنى على هذا القول فأسر يوسف الاحتجاج عليهم في ادعائهم عليه السرقة ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكاناً يعني منزلة عند الله ممن رميتموه بالسرقة لأنه لم يكن من يوسف سرقة في الحقيقة وخيانتكم حقيقة {والله أعلم بما تصفون} يعني بحقيقة ما تقولون.
قوله عز وجل: {قالوا} يعني إخوة يوسف {يا أيها العزيز} يخاطبون بذلك الملك {إن له أباً شيخاً كبيراً} قال أصحاب الأخبار والسير إن يوسف عليه الصلاة والسلام لما استخرج الصواع من رحل أخيه بنيامين نقره وأدناه إلى أذنه ثم قال إن صواعي هذا يخبرني أنكم اثنا عشر رجلاً لأب واحد وإنكم انطلقتم بأخ لكم من أبيكم فبعتموه قال بنيامين أيها الملك سل صواعك هذا من جعله في رحلي فنقره ثم قال إن صواعي غضبان وهو يقول كيف تسألني عن صاحبي وقد رأيت مع من كنت قالوا فغضب روبيل لذلك وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا وكان روبيل إذا غضب لم يقم لغضبه شيء وكان إذا صاح ألقت كل حامل حملها إذا سمعت صوته وكان من هذا إذا مسه أحد من ولد يعقوب يسكن غضبه وكان أقوى الإخوة وأشدهم، وقيل: كانت هذه صفة شمعون بن يعقوب، وقيل: إنه قال لإخوته كم عدد الأسواق بمصر قالوا عشرة قال اكفوني أنتم الأسواق وأنا أكفيكم الملك أو اكفوني أنتم الملك وأنا أكفيكم الأسواق فدخلوا على يوسف فقال روبيل أيها الملك لتردن علينا أخانا أو لأصيحن صيحة لا يبقى بمصر امرأة حامل إلا وضعت ولدها وقامت كل شعرة في جسد روبيل حتى خرجت من ثيابه فقال يوسف لابن له صغير قم إلى جنب هذا فمسه أو خذ بيده فأتى له فلما مسه سكن غضبه فقال لإخوته: من مسني منكم قالوا لم يصبك منا أحد فقال روبيل إن هذا بذر من بذر يعقوب وقيل إنه غضب ثانياً فقام إليه يوسف فوكزه برجله وأخذ بتلابيبه فوقع على الأرض وقال أنتم يا معشر العبرانيين تزعمون أن لا أحد أشد منكم فلما رأوا ما نزل بهم ورأوا أن لا سبيل إلى تخليصه خضفوا وذلوا وقالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً يعني في السن ويحتمل أن يكون كبيراً في القدر لأنه نبي من أولاد الأنبياء {فخذ أحدنا مكانه} يعني بدلاً عنه لأنه يحبه ويتسلى به عن أخيه الهالك {إنا نراك من المحسنين} يعني في أفعالك كلها وقيل من المحسنين إلينا في توفية الكيل وحسن الضيافة ورد البضاعة إلينا وقيل إن رددت بنيامين إلينا وأخذت أحدنا مكانه كنت من المحسنين.